13 مارس 2012

أي ثورة نريد ؟!


الكاتب: المختار ولد محمذ باب.
...ثورة الطرق المعبدة والدكاكين المفتوحة وفرص العمل المتاحة والحرية اللامحدودة...إلخ؟ أم ثورة الحجارة والتمزق والخراب والعودة إلى الوراء؟
إن من يريد أن يحدد ما إذا كانت موريتانيا اليوم بحاجة إلى ثورة "حجرية " أم لا على الواقع المعاش يجب أن يجيب أولا على تساؤلين اثنين: أولهما هل تعاني بلادنا اليوم من الظلم والقهر والاستبداد الذي كان سببا في اندلاع الثورة في العالم العربي؟ ثم هل هناك توجه حقيقي لدى صانعي القرار في البلاد نحو البناء والتغيير أم أن الحال لم يتبدل بعد العهود السابقة ؟.

أولا: حسب اعتقادي إن موريتانيا اليوم لا تعاني ما عانته تونس ومصر قبل ثورتيهما  لسبب بسيط هو أنه في الوقت الذي لم يكن التونسي ولا المصري يستطيع أن يبدي رأيه في الشأن العام كانت امرأة موريتانية تواجه الرئيس الموريتاني بمقولتها الشهيرة (الطرق المعبدة لا تؤكل ولا تشرب ويجبيها قائلا كانت تؤكل ولكنها لم تعد)، وفي الوقت الذي كان الحزب الإسلامي في تونس مطاردا ومستبعدا من العملية السياسية ويوشك الأذان أن يحظر في بيوت الله كانت الأحزاب الرافعة لشعار الأسلمة تنظم مهرجاناتها المرخصة في العاصمة انواكشوط بدون حذر ولا مضايقة من لدن السلطات،
وفي الوقت الذي كان الرئيس مبارك في مصر يحضر ابنه لخلافته كانت تجرى في موريتانيا انتخابات رئاسية شهد لها الأوروبي والإفريقي وغيرهما بالنزاهة والشفافية، وفي الوقت الذي كان الأمن العربي يحرس السفارات الصهيونية في العواصم العربية كانت الجرافات الموريتانية تهدم  السفارة الصهيونية في انواكشوط، وفي الوقت الذي كانت هذه الدول قد قررت القيام بثوراتها كانت موريتانيا بالمقابل قد قطعت أشواطا عديدة في ثورتها البنائية، فموريتانيا إذن ليست بحاجة إلى ثورة "حجرية" تأسيا بتونس أو مصر أو غيرهما بقدر ما هي بحاجة إلى ثورة البناء والازدهار
والتقدم، فما حدث لليبيا واليمن ويحدث حاليا لسوريا لا أظن أن أحدا يتمناه لبلدنا العزيز ولا أظن أيضا أنه يخدم مصلحة أية جهة سياسية فوحدتنا الوطنية ما زالت بحاجة إلى أن تتعزز أكثر ويجب أن نضعها نصب أعيننا.
ثانيا: أعتقد أن من ينظر إلى موريتانيا اليوم نظرة موضوعية خالية من التأثيرات السياسية، يلاحظ أن تغييرا جوهريا حصل وعلى كافة المستويات مقارنة بالعهود السابقة وأضرب مثالا بسيطا على هذا التغيير وهو ما  حصل على مستوى هامش الحريات العامة حيث يلاحظ أن موريتانيا اليوم لا يوجد فيها سجين رأي ولا يسجل لها أي لاجئ سياسي في الخارج كما لا تسجل أية رقابة على وسائل الإعلام سواء المقروءة أوالمرئية، ثم إنه ولأول مرة يشعر المواطن البسيط بالاهتمام من لدن السلطات العامة، هذا الاهتمام المتمثل في توفير الحاجات الضرورية من المواد الغذائية وبأسعار
معقولة عن طريق دكاكين "التضامن و أمل" التي هي خطوة هامة تذكر فتشكر ضمن إنجازات كثيرة يضيق الوقت عن ذكرها وتذكرها، وليس من الخطإ أن نذكرها ونثمنها وإنما الخطأ كله أن نتجاهلها وكأن شيأ لم يحصل.
وإذا افترضنا جدلا أن موريتانيا تمر بمرحلة غير جيدة وأن النظام فاسد إلى أقصى درجة فهل تكون مقاومة هذا الفساد بالفساد بمعنى هل يعتبر حرق الباصات التي يستخدمها المواطنون البسطاء في عمليات نقلهم سبيلا لمقاومة الفساد؟ و هل يعتبر خلق البلابل في الشارع وإفساح المجال لعمليات السلب والنهب سبيلا لمقاومة الفساد؟ أعتقد أن هذه ليست أمثل الطرق لمكافحة الفساد المزعوم.
إن موريتانيا اليوم تقطع خطوات كبيرة في سبيل التنمية المنشودة، والحلول السحرية للمشاكل المتراكمة أمر جد مستحيل، فالمرحلة الراهنة تتطلب منا كمواطنين أن ننظر وننتقد الواقع بموضوعية تامة فما أنجز يجب أن يعترف به ويثمن، والمطالبة بالمزيد من الإنجازات يجب أن تكون هي شعار المرحلة، وختاما فإن موريتانيا قد اختارت ثورة التنمية والبناء والانفتاح والحوار بعيدا عن التمزق والانحطاط والتصعيد.
فهل ستستجيب معارضتنا الموقرة لهذا الخيار؟
   
بقلم: المختار بن محمذ باب
ماستر في القانون الدستوري والعلوم    السياسية من جامعة انواكشوط


ليست هناك تعليقات: