30 يناير 2013

أدب: جماليات التصوير في الشعر الحساني... (( لغن))


من خلال هذه المقاربة النقدية والتحليلية سنحاول تسليط الضوء على مجموعة من النصوص الشعرية الحسانية القديمة واستنطاقها والغوص في أعماقها وإجبارها على  التبرج لإبراز محاسنها وجمالياتها الكامنة خلف الصورة البارزة, ذلك أن الشعر الحساني عموما - كما هو حال الشعر الفصيح - يعتبر مجموعة من اللقطات أو المقاطع الصورية تصور أو تصف مشهدا أو حادثا ينطبع في ذهن الشاعر واستطاع - حسب قدرته-  أن يحوله إلى لوحة فنية وأدبية جميلة تترك أثرا قويا على القارئ أو المتلقي بغض النظر عن مستوى ذلك المتلقي, بل إن الشاعر القوي والمقتدر هو الذي يستطيع بحسن تصويره وإحكام صنعته أن يؤثر تأثيرا بالغا على كل متلق حتى يعيش معه جميع تفاصيل المشهد المصور، و يشاركه في  الانطباع والأحاسيس اتجاه تلك اللحظة وذلك المشهد.
 ذلك ما لاحظناه من خلال دراستنا واستقرائنا لكثير من النصوص الشعرية ((الحسانية )).
 والأدوات المستخدمة في تلك العملية التصويرية عادة ما تكون (طلعة) أو (كَافا) .
والطلعة : هي مقطع شعري يتكون من ستة مصاريع ( تفلواتن ) على الأقل ولا حدود لأكثرها.
أما الكَاف : فهو أقل وحدة شعرية في الشعر الحساني إذ يتكون من أربعة مصاريع ( تفلواتن ) على الأقل ولا حدود لأكثره فإذا طال  سمي (كرزة).

وكثير من الشعر الحساني يعتمد في جماله وحسنه على التصوير والانطباع , بل إن مكمن الجمال فيه قدرة صاحبه على التقاط صورة ما لمشهد مرَ على الشاعر في لحظة معينة لكنه بقي عالقا في ذهنه واستطاع أن يحوله بريشته التصويرية وأسلوبه الأدبي إلى صورة فنية وأدبية رائعة , يستطيع المتلقي أن يتخيلها أو يعتبرها واقعا معيشا مثل قول المغن :
طاحت عيش         منت المختار
فوك أحشيش         من فوكَ أحمار
ومثل قول محمد ولد ابن :
وانترت اله هي تظحك       وآن مالاه نستحف
الملحف من هك أو هك      لين أترخات الملحف
وقول الآخر :
أمنادم مشاف التنشاف         إعل منت البار أعل نار
أتنشف خلته ما شاف            التنشاف أعل منت البار
وغيره كثير.....
غير أن الشعر الحساني دائما يحاول إبقاء جانب من الصورة الشعرية مخفيا لا تمكن رؤيته بالعين المجردة بل لابد من تفكيك النص الشعري وقراءة ما بين سطوره قراءة لغوية, دلالية, وتفكيكه وإعادة تركيبه بصورة جديدة تكشف المستور وتبرز ( المسكوت عنه ) في النص وهذا الجانب المخفي من الصورة هو سر جمال هذه النصوص ومكمن روعتها وحسنها, ولكن إبرازه يحتاج إلى قارئ متيقظ وذي حس أدبي مرهف, ولديه قدرة على الاستنطاق والاستنباط,  وأنا - بطبيعة الحال - لست هذا ولا ذاك ولكن حسبي - وهو جهدي – أن أستطيع إيصال ما مسني وأحسست به من جمال هذه النصوص لغيري من المتلقين وأصحاب الذائقة الأدبية الرفيعة وسأبدأ مع هذا النص : 
يامس يغل غيد التشهار            اتفشولت انتوم حظار
خظت امن أحذاكم لصفرار          شفتك شوف بادت بي
و أثر بي كثرت لخبار              اغمزتك  غمزي حي
و افطنل صيدك فات اشكَار        وجه و احمار عيني
و اهنيت إعل ذاك التطوار        و اتهم عنه حال في
ؤعت الا كَد امنيني افيم              انشوفو خوف المشلي
أنرمش عيني و انتم                   غمزي تعكَب غمزي


هذا النص الشعري الحساني المكون من طلعة مكونة من عشر ( تيفلواتن ) وكَاف يتألف من أربع ( تيفلواتن ) مع أننا لا نعرف قائله ولا الظروف التي قيل فيها سنحاول تحليله وتسليط الضوء عليه لإبراز بعض الجوانب المسكوت عنها هنا:
فالنص بدأ بكلمة (( يامس )) وهي ظرف زماني محدد لليوم بل الوقت الذي تشكلت فيه الصورة التي يريد الشاعر رسمها أو التقاطها وإبرازها من خلال هذا النص  كما أن (( يامس )) لها دلالة أخرى هي أن الشاعر قد ارتجل نصه أو اقترب من الارتجال لقصر الفترة الزمنية الفاصلة بين التجربة والتعبير عنها يدل كذلك على أن الشاعر حريص على وضع المتلقي أمام الحدث أو الصورة بعيد تشكلها بساعات قليلة.
وهذا يمكن تسميته – إن صح التعبير – بالسبق الأدبي.
 وبعد الكلمة الأولى في النص نلاحظ أن الشاعر بدأ مباشرة في مخاطبة محبوبته بنداء يحمل ما يستطيع حمله من مدلولات ومعاني التفضيل ((يغل)) الدالة على المفاضلة, إذ أن كلمة (( يغل)) في قاموس الشعراء الحسانيين من العشاق توحى بأفضلية المحبوبة على غيرها من (( غيد الشهار)) وهذا شيء طبيعي أن يفضل الحبيب محبوبته على غيرها من النساء مما يمنحها كبرياء تستطيع بسببه التمنع والمماطلة أكثر, وهذه صفات قد تكون منصوبة على المدح أحيانا عند المرأة لا غير.
 ونمضي مع الشاعر في سرد عناصر الحدث المكون للصورة عموما حيث يقول :
(( اتفشولت أنتوم حظار ))
وهذا التعبير في غاية الدقة عن حالة الانهيارالتي أصابت الشاعر (( واتفشويل )) عبارة عن حالة نفسية أو إنهيار عصبي يصيب الإنسان عادة إذا وقع في محظور ما خاصة أمام أصهاره أو أهل محبوبته ولا شك أن الشاعر بين  لنا سبب هذا (( اتفشويل )) حيث قال :
(( خظت من احذاكم لصفرار        شفتك شوف بادت بي
وأثر بي كثرت لخيار                أغمزتك غمزي حي)
فهذه "الغمزي" الحية كما وصفها الشاعر وهي السبب المباشر لما أصاب الشاعر من إنهيار وتصرف غير مرتب, بل إن الشاعر على ما يبدو فعل هذه الغمزي بغير وعي منه بل إنه غير مدرك لخطورتها بدليل قوله (( وأثري بي كثرت لخبار )).
والغريب في الأمر أن الشاعر بعد أن عاد إليه وعيه وتركيزه أدرك بأن هذا التصرف الذي قام به تصرف جنوبي ومجازفة لا يمكن صدورها من عاقل مدرك لما سيفعله وأعترف بأن هذا التصرف الطائش ناتج عن "كثرة الأخبار", لكن هذه العبارة جاء بها الشاعر ليعبر بها عن درجة عالية من الحب عبر عنها بكثرة الأخبار بدليل أنه بسبب ولوعه الشديد بمحبوبته لم يستطع أن يتمالك نفسه عندما رآها حتى ولو كانت بين أهلها أو بحضرة زوجها (( أنتوم حظار )) بل إنه لم يعبأ بكل ذلك وتصرف هذا التصرف الذي أوقعه في محظور - ولم يستطع لسوء حظه – أن  يخفيه عن زوج محبوبته الذي فطن للحالة التي أصابت الشاعر.
(( وافطن ل صيدك فات اشكَار وجه واحمار عيني))
والتي بدت واضحة في ملامح وجهه ونظرات عينيه وانصب كل اهتمامه في إزالة الوهم والشك الذي خالج الزوج بإيهامه أن تلك الحالة صفة ثابتة فيه وأنه تصرف طبيعي وسلوك اعتيادي لا هدف له وأنه  تصرف طبيعي وسلوك إعتيادي لا هدف له من ورائه ولذلك ثبت على تلك الحالة من تكرار ((الغمزي)) وتتابع رموش عينيه حتى أوهم (( الصيد )) أنها حالة ثانية وصفه قارة من صفاته اللازمة له حيث يقول :
وافنيت اعل ذاك التطوار      واتهم عنه حال في
فقد استطاع الشاعر لسرعة بديهته وقدرته على الارتحال أن يرتحل هذا المخرج الذي أنقذه من المأزق الصعب وإن كان المخرج أشد صعوبة من المأزق نفسه
غير أنه من الواضح جدا أن الشاعر وزوج المغزل عليها ( محبوبة الشاعر ) لا تربطها معرفة سابقة إذ لو كانت هناك معرفة سابقة لما أستطاع الشاعر الخروج من هذا المأزق ولما حاول أن هذه الصفات ثابتة وتابع تكرارها لتأكيد ذلك وإن كان المخرج الذي  أرتجله الشاعر صعبا ومتعبا حيث أنه سيظل يفتعل غمزية بعده أخري بتضيع حتى بفارق عيني الزوج وهذا لعمري متعب ومضحك في الأذن ذاته ولكن ليس له بد من ذلك
هذا النص الشعري إذا أستطاع الشاعر من خلاله التقاط صورة مفصلة الأدق تفاصيل الحدث الذي مر به واستطاع أن يبين الجوانب المسكوت عنها في هذا النص وابراز بعض الجوانب الجمالية والفنية فيه لكن شخص قراءته وانطباعاته الشخصية

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

الرجاء أن تواصل يا أديب تصفح الشعر الحسانى لإتحافنا بما تقف عليه من درر. مقالتك رائعة و تحليلك رائع هو الآخر.
معجب بكتاباتكم

غير معرف يقول...

سلام عليكم
هذازين نرجو عنك تابع فيه ولو ممكن تشكل لحروف ياك تسهل علين كرايت
شكرا

Unknown يقول...

الله ادومك واوفقك وازيد امن امثالك حقيقة المجتمع فاصل افذ الشرح عن ذ الادب اللى ماشى فالاندثار ونتمنى المزيد من هاذى الدروس اللى تغنى تراثنا وتحييه وشكرا

Unknown يقول...

جميل جدا ومفيد نتمنى المزيد والله ولى التوفيق

Unknown يقول...





شركة تنظيف منازل بالدمام
شركة تنظيف شقق بالدمام
شركة تنظيف خزانات بالدمام
شركة شفط بيارات بالدمام
شركة مكافحة النمل الابيض بالدمام
شركة كشف تسربات المياة بالدمام

Unknown يقول...


شركة كشف تسربات المياة بالقطيف
شركة كشف تسربات المياة بالجبيل
شركة كشف تسربات المياة بتبوك
شركة كشف تسربات المياة بالخبر
شركة مكافحة النمل الابيض بالخبر
شركة تسليك مجاري بالجبيل

شركة تسليك مجاري بالدمام
شركة تنظيف خزانات بالقطيف
شركة تسليك مجاري بالقطيف
شركة تسليك مجاري بالخبر
شركة تنظيف منازل بتبوك
شركة تسليك مجاري بتبوك
شركة تسليك مجاري بالباحة

Unknown يقول...

اسكي زين ذا حت