9 أبريل 2016

متى يكون الرئيس محببا لدى المواطنين....؟!


نُسِب إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في تصريح خاص قوله إنه عرف سبب بغض الموريتانيين له.. و أرجع التصريح ذلك السبب إلى محاربته للفساد حيث قضى على كل ألوان التحايل على المال العام و جعل الفقراء يستفيدون من هذا المال الذي ينبغي أن يوجَه إليهم.. و نسب التصريح إلى الرئيس قوله إن " التاريخ سينصفه في ما بعد...".
 و لا شك أن هذا التصريح, صحت نسبته لولد عبد العزيز أم لم تصحَ, هو تصريح لا يجانب الحقيقة.. فالموريتانيون جبلوا على بغض كل من يجفف موارد النفع لديهم بالحق أم بالباطل.. و هي غريزة تكاد تكون جزءا من حياتهم الخاصة...

فكلنا يعرف أن هنالك بعض الموظفين السامين الذين تمت إقالتهم من مناصبهم لأنهم وقفوا في وجه بعض ممارسات الفساد التي كانت تدر النفع على جيوب بعض المتنفذين و بعض ما يمكن أن يوصف ب ( مافيا) القطاعات الوزارية المختلفة..
و الأمثلة في ذلك كثيرة.. فالإحصاء الذي قامت به الوظيفة العمومية, و الذي ما زال مستمرا في بعض القطاعات أظهر مئات الموظفين الوهميين الذي يتقاضون رواتب من ميزانية الدولة لحساب بعض هذه الجيوب المنتفخة و القصور المشيدة و السيارات الفارهة.. و الأرصدة المصرفية الضخمة و القطعان من الماشية التي حُصل عليها بطرق مشبوهة من طرف موظفين يتقاضون, في الأصل رواتب زهيدة من الدولة, قلَ أن تفي بمصروفهم اليومي في الحالة العادية...
و التفتيشات التي قِيم بها في خزينة الدولة, و التي أظهرت نهبا غير مسبوق في المال العمومي تؤكد مستوى نهب المال العام في أهم قطاعات السيادة في الدولة الموريتانية..
و لا أريد هنا أن أدين أمناء الخزينة, حتى تتم إدانتهم,  و إنما أضرب مثالا بسيطا من بين عديد الأمثلة التي تجري في دولة تعد اليوم من أغنى دول العالم من حيث ثرواتها الطبيعية و من أفقرها شعبا و مواطنين من حيث مستوى الدخل الفردي..
فلا شك أن الشخص الذي يقف ضد هذه الممارسات سيكون عدوا لدودا لأصحابها.. و سينظرون إليه على أنه مارس الظلم عليهم إذ أنهم كانوا يرون أن ما حُرموا منه ليس إلا حقا ثابتا لهم.. و أن من حرمهم من هذا الحق ليس رئيسا ديمقراطيا و إنما سيصفونه بالطاغية و المتغطرس..
ليكن التصريح صحيحا أو غير صحيح.. المهم أن يعرف الرئيس ما الطريقة التي تجعله محببا لدى شعبه.. و أن يشخص الداء و عند ذلك يبحث عن الدواء.. فما خلق الله داء إلا جعل له دواء..
فالرئيس الذي يريد أن يكون جذابا و محببا لدى شعبه.. و لا يمل حكمه.. سواء حكم البلاد لأطول فترة تقتضيها حياته هو ذلك الرئيس الذي يوزع العدالة على شعبه.. هو الرئيس الذي يدرك أن أقرب مقربيه هو ألد أعدائه! نعم ألد أعدائه لأنه يتقول عليه و ( يتفعَل... إن صح التعبير) عليه..
الرئيس الذي تحولت حياته من حياة ضابط في الجيش يسكن منزلا متواضعا و يمتلك سيارة متهالكة, يجد كل العناء في تشغيل محركها عند الصباح و يخبز خبزه بيده عند المساء... ثم يعلن على الأثير أنه يمتلك مجموعة من الآليات لحفر الآبار.. لا ينبغي له أن يطلب من معاونيه أن يكونوا أكثر ملكية من الملك...
لن أذهب هنا إلى الاستئناس بتصريح بعض زعماء المعارضة بخصوص وجود 300 مليار أوقية من تركة أحد أفراد أسرته بحوزة إحدى الأوربيات... قد يكون الكلام مبالغا فيه.. و قد لا يصح في الأصل.. و لكنني أنوه إلى أن توزيع الثروة بشكل عادل يجعل الشعب يتعلق بقائده أكثر من أي أداة أخرى..
يشاع في الأوساط الشعبية و يخلد التاريخ عن الرئيس الراحل المختار ولد داداه بعض المواقف التي تظهر نية الرئيس توزيع الثروة بشكل عادل...
الأستاذ سيد أحمد ولد الدي الذي كان وزيرا في عهد المرحوم المختار ولد داداه حدثنا و نحن في المدرسة العليا للتعليم, أيام كان يدرسنا علوم الآلة في اللغة, عن بعض هذه المواقف..
حدثنا عن مجموعة من الوزراء كانت تتوزع في ما بينها ثمن رطلين من اللحم من أجل إعداد وجبة غدائها عندما تقضي عطلة الأسبوع في منزل أحد الوزراء.. حدثنا آخرون عن الصك الأبيض الذي وهبه المرحوم فيصل بن عبد العزيز الملك السعودي للراحل المختار ولد داداه و كيف ذهب إلى الخزينة العامة للدولة... حدثنا الأستاذ سيد أحمد عن قصة تشييد الجمهورية الصينية لميناء الصداقة.. و كيف قال الرئيس الصيني إن الصداقة الموريتانية الصينية أقوى من أمواج المحيط الأطلسي.. عندما قال وزير البحار إن أمواج البحر قبالة العاصمة نواكشوط قوية و مضطربة.....
حدثنا التاريخ الإسلامي عن أول قراض في الإسلام و هو عبارة عن هدية قدمها بعض الأقاليم لبعض أبناء خليفة رسول الله, صلى الله عليه وسلم, عمر بن الخطاب.. ف(اعتصر) عمر تلك الهبة و جعلها في بيت مال المسلمين إلا أنه ترك نسبة ضئيلة منها على شكل قراض في ذمة ولديه...
و لا شك أن ما قام به عمر من إعطاء القراض لولديه لم يكن القراض الوحيد الذي أعطاه يومها.. و لكنه أول قراض في الإسلام..
و مما يجعل الرئيس محببا على شعبه ألا يعهد بأمور الشأن العام إلى من يظهر للشعب عدم ورعه أو تورَعه, على الأقل, فإسناد الوظائف ينبغي أن تراعى فيه معرفة الأشخاص الذين تسند إليهم.. و بالنسبة لنا, في موريتانيا, فنحن كما يقول العلامة محمد ولد سيدي يحي كلَ منا يعرف الآخر.. و نعرف ماضي بعضنا و حاضره.. و ربما مستقبله.. فلا ينبغي أن تسند الوظائف بالمعايير القبلية و لا الانتخابية و لا الكاريزمية... و لا بالولاء لنظام و لا لكسب ود طائفة أو مجموعة عرقية معينة..
فهل من الممكن أن يكون اختيار الوزراء على أساس مسابقات أو استحقاقات... لا ضير في ذلك.. فالرئيس نفسه وصل السلطة عن طريق انتخابات.. فلم لا ينتخب الوزراء و الأمناء العامون و الولاة و الحكام و المديرون المركزيون... لا ضير في ذلك..
لا ينبغي للرئيس الذي يريد أن يكون محببا إلى شعبه أن يختار وزراءه على أساس ولائهم له و لا على أساس الحجم الانتخابي لقبائلهم التي ينحدرون منها و لا على أساس جهاتهم....
فلنبحث عن معايير أخرى لاختيار قادة الشعب و ممثلي السلطة التنفيذية التي هي واجهة النظام...
و أخيرا, لكي يكون الرئيس محببا لدى الجميع و يخلد التاريخ حبه و حب من ينتمي إليهم فعليه ألا يجعل عشيرته الأقربين عرضة للتهم و التنفذ و أن يكوَن معاونيه على أنه لا يرضيه تزلفهم له بما يظهرونه من الحظوة لأهله و عشيره و لا لفصيله.. فعند ذلك يدرك هؤلاء ما ينبغي أن يكون عليه عملهم.. و (الرعية على قلب الأمير....).

                                                                                                      س.م. متالي.

ليست هناك تعليقات: