18 مايو 2016

مقالة في النقد....



لئن كان النقد قد وُلد مع الأدب أو قبله باعتبار أن كل ناقد أديب و قد تنعكس..  فإن النقد ظل حتى وقت قريب رهين قطيعة ابستمولوجية تعترضه عقبة المنهج في العلوم الإنسانية.. فحاول نقاد قدماء و معاصرون وضع مقاييس للأدب أو للنقد و هو ما عرف حديثا بمحاولة علمنة الأدب.. أو إضفاء صبغة معيارية عليه... ولنا من خلال هذه المقالة أن نعرف النقد و نتحدث عن أهم المحاولات النقدية قديما و حديثا, و نحاول, بنظرة أفقية,  أن نعرف مدى توفيق النقاد المحدثين في مناهجهم النقدية...
تعود كلمة نقد من الناحية اللغوية إلى"نقد الدراهم" أي معرفة صحيحها من المزيف.. و هي عملية كان يقوم بها الصيارفة.. يقول الشاعر في وصف ناقته:

تنفي يداها الحصى في كل هاجرة                  نفي الدراهم تنقاد الصياريف..
فانتقلت الكلمة بالتطور الكرونولوجي من العام إلى الخاص.. صارت تدل على نقد الشعر.. و إن تأخر إطلاقها على هذا الاختصاص إلى عهد متأخر نسبيا.
و قد عرف العصر الجاهلي ما كان يوصف بالتحكيم بين الشعراء, فقيل إن النابغة الذبياني "كانت تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ فيحكم بين الشعراء.."  و قد حكمت أم جندب بين امرئ القيس,زوجها, و علقمة الفحل.. وفي العصر الإسلامي " قضى" الصلتان العبدي بين الفرزدق و جرير.. يقول:
سأقضي قضاء بينهم غير جائر            إذا مال بالقاضي الرُشا و المطامع
قضاء امرئ  لا يُرتشى في حكومة        و ليس له في المدح منهم منافع...
وكان نقاد العصرين الأموي و العباسي يطلقون كلمة الموازنة و المناظرة.. على عملية النقد مدفوعين إلى ذلك بنوع من المناظرة بين الشعراء.. فناظروا بين الطائيين و حكموا بين المتنبي و خصومه...
و لم تخل تلك المرحلة من نقد تأثري و انطباعي... فكان ابن قتيبة في كتاب الشعر و الشعراء يتحدث عن أغزل بيت و أهجى بيت و أمدح بيت... قالته العرب..  و ينسب كل ذلك لجرير بن عطية الخطفي..
و قد حاول بعض نقاد العصر العباسي التنظير للكتابة الأدبية كما هو حال أبي هلال العسكري في كتاب " الصناعتين" أي صناعة الشعر و صناعة النثر..
 و تميز العصر العباسي بوجود نقاد الإعجاز الذين كان طليعتهم ابن قتيبة في كتاب " تأويل مشكل القرآن"  و  الباقلاني  في كتاب " إعجاز القرآن" و عبد القاهر الجرجاني في كتابه " دلائل الإعجاز",  الذي توصل من خلاله إلى نظريته  في الشكل و المضمون المعروفة بنظرية النظم..
و كان القطر الأندلسي يسير على نهج المشارقة في النقد مع ابن رشيق القيرواني في كتاب "العمدة" و حازم القرطاجني الذي يعتبر خاتمة النقاد في القرون الوسطى من خلال كتابه " منهاج البلغاء و سراج الأدباء..
و قد حمل مشعل النقد مع بداية عصر النهضة ناقد سار على طريقة حازم هو حسين المرصفي في كتابه " الوسيلة الأدبية"  أراد من خلاله  أن يضع مقاييس آلية للكتابة الشعرية مبتدئا من ذلك بالآليات الأساسية للغة و مبينا متى يكون الكلام شعرا و متى يخلو من ذلك.. و هو ما سيتفطن له النقاد المعاصرون في القرن العشرين خاصة في الغرب مع رولان بارت في " الدرجة صفر للكتابة" و الناقد الفرنسي بوفونه في كلمته المشهورة: " الأسلوب هو.... الرجل".
و عرف عصر النهضة حركة نقدية هامة مع جماعات مثل جماعة الديوان التي أسسها عباس محمود العقاد و عبد القادر المازني و عبد الرحمان شكري...  و الرابطة القلمية في آمريكا الشمالية مع ميخائيل نعيمة و جبران خليل جبران و نسيب عريضة.. و العصبة الأندلسية في آمريكا الجنوبية... فضلا عن محاولات فردية مع الدكتور طه حسين في " حديث الأربعاء" و " تجديد ذكرى أبي العلاء و محمد مندور في النقد المنهجي عند العرب و النقد الإديولوجي...
و قد استطاع هؤلاء النقاد, متأثرين بالنقاد الغربيين مثل الفرنسيين  برينيتيير و جول لميتر و سانت بيف... و الإنكَليزي غوستاف لانسون...  أن يرسوا مناهج للنقد بيد أنهم لم يسلموا من ظاهرة الانطباعية و الذاتية و التأثرية في أغلب كتاباتهم...
يقول طه حسين: " ومهما يكن ل" فلان" من الأشعار الحسان فإنني لا...... أميل إليه" فللمرء أن يتساءل ما ذا يريد طه حسين من الشاعر غير الأشعار الحسان؟.
كما خلط هؤلاء النقاد بين المناهج المختلفة و المتباينة.. فإذا تجاوزنا جدلية الشكل و المضمون و إشكالية علاقة الكاتب بنصه عند طه حسين لا نكاد نجد كبير تجديد على ما عرفه النقد الغربي من نقد تاريخي مع جول لميتر الذي ضمن نظريته في النقد التاريخي كتاباته في عموده الأسبوعي " حديث الإثنين" { ابارول دو لاندي} فكتب طه حسين على نهجه " حديث الأربعاء".. وهو ما يوهم بالتقليد التام لنظرية الناقد السربوني من طرف " التلميذ الأستاذ" الأزهري..
كما قلَد العقاد النقاد النفسيين في مقالاته النقدية التي كان ينشرها في إطار جماهة الديوان مما بينه في ما بعد الدكنور محمد النويهي..
و ما يقال في طه حسين يمكن أن يقال في جماعة الديوان التي لا تنقم على شوقي  و حافظ " سوى أنهما لم يكونا رومانسيين.."
و هو ذات النقد الذي يواجه به صاحب "الغربال" شعر الاتباعيين"  نابزا إياهم بالتقليد الأعمى و خلو أدبهم مما أسماه المهاجر اللبناني ب" المقاييس الأدبية و النقدية" حتى صاروا يخلطون, حسب رأيه, بين القمح و الزؤان..
و سيعرف النقد العربي في النصف الثاني من القرن العشرين محاولات أكثر ارتباطا بالنقد الغربي مع النقاد البنيويين و الأسلوبيين من أمثال الدكتور توفيق بكار في ما يعرف ب "الأدبية" " بويتيك" و الدكتور عبد السلام المسدي في كتاب " الأسلوبة و الأسلوب" و الشاعر السوري آدونيس في كتاب " الثابت و المتحول"..
فقد استطاع هذا الجيل من النقاد أن ينجح إلى حد كبير في تطبيق المناهج الحديثة في النقد العربي غير متنكرين  للموروث النقدي العربي الإسلامي و مضفيين صيغة الشرعية على تلك المحاولات التي بهرت جيل ما بعد الخمسينات في التفكير اللغوي و النقدي في العالم العربي.. خاصة مع " المتثاقفين" بالثقافة الفرنسية..
ومن خلال ما سلف يمكننا أن نجزم بأن النقد في الأدب العربي قد حاول بشتى الوسائل أن يتجاوز عقبة المنهج في العلوم الإنسانية رغم أنه, و إن لم يوفق كليا في ذلك, قد استطاع, على الأقل, أن يطرح إشكاليات حديثة في مناهج النقد الحديث  متخلصا من الذاتية و الانطباعية و من النقد التجريحي إلى حد بعيد معولا في ذلك على النزعة الوصفية و متخلصا من النزعة المعيارية التي بدأت مع الإرهاصات الأولى لهذا الفن.. بل يمكننا أن نقول إن النقد في الأدب العربي قد بدأ فنا و انتهى... علما...
                                                                                                                        محمدن إمدو...  


ليست هناك تعليقات: